بقلم/ مجاهد منعثر منشد
ولد مارتن هيدجر ( 1889- 1976) \ جنوب ألمانيا، درس في جامعة فرايبورغ تحت إشراف إدموند هوسرل مؤسس الظاهريات، ثم أصبح أستاذا فيها عام 1928.
أحد أكبر الفلاسفة الوجوديين ويعتبره بعض الباحثين المؤسس الحقيقي للوجودية وفلسفته في تجربتها (السير باتجاه الموت).
تولى هيدجر رئاسة جامعة فرايبورغ سنة (1933) بتعيين من النازيين و استقال بعد ثمانية أشهر فقط احتجاجا على أوامر جاءت له بطرد أستاذين لا يسيران مع خطى النازيين.
أبرز مؤلفاته: الوجود والزمان (1927) ؛ دروب مُوصَدة (1950)؛ ما الذي يُسَمَّى فكراً (1954)؛ المفاهيم الأساسية في الميتافيزيقا (1961)؛ نداء الحقيقة؛ في ماهية الحرية الإنسانية (1982) ؛ نيتشه (1983).
تعرضت فلسفته للهجوم والنقد حيث اتهم بتعاطفه مع النازية, والعداء للمنطق، وانتصاره للعاطفة، وإنكاره للقيم، ومناداته بنزعة عدمية هدامة إضافة لغموض فلسفته وتجريدها واستغلاقها.
هيدجر من نوع الفلاسفة الكبار الذين كوّنوا نسقا فلسفيا مترابطا يبحث في الوجود والحياة وهو أمر لم يتكرر كثيرا في القرن العشرين.
صاغ هيدجر مذهبه المعني قبل أي شيء ببحث الوجود بما هو وجود متبعا منهجا شديد الصرامة وأحيانا شديد الصعوبة.
كتابه “الكينونة والزمان” الصادر في العام 1927م وضع فيه الأساسات والمنطلقات العامة لفلسفته الخاصة هو المدخل لقراءة مؤلفه,فإن مشروعه نوعي من حيث تفرده وسعيه للتخلص من مرحلة التوظيف الأيديولوجي – السياسوي لاهتمامات الإنسان وهمومه، والقطع مع مرحلة تطويق أفقه بأنساق شمولية مسيطرة، وذلك بهدف إقامة نظرية متكاملة حول “الكينونة” من خلال وصف مادتها الأولية الذي هو الكائن.
اعتمد على المنهج الفينومنولوجي (الظاهري) الذي ابتكره أستاذه هوسرل. وذلك من خلال نقل هذا المنهج من مجال الظواهر إلى مجال الوجود, فانطلق من تحديد معنى الوجود الإنساني بوصفه الطريق الأوحد لمعرفة حقيقة الوجود المطلق العام.
وهدف التفلسف عند هيدجر يتمثل في الكشف عن معنى الوجود الإنساني ومحاولة انتزاعه من براثن الأداتية والتشيؤ، وهو فعل التأسيس لما انقطع بين الكائن وكينونته.
فالكينونة عند هيدجر هي الكائن من جهة، والكينونة من جهة ثانية، والزمان هو حركة دائبة نحو المستقبل، الذي هو الموت، التجلي المطلق للعدم وهنا يكون العدم محل السؤال. وبعد كثير تأمل وبغية الخروج من التناقض في وصف العدم يبدو العدم عند هيدجر بوصفه “السلب اللاأساسي بجملة الوجود”. هذا العدم يكشف عن نفسه في القلق أو أن القلق يميط اللثام عنه.
الزمان عند هيدجر ليس مجرد امتداد أفقي، بل هو حركة دؤوبة نحو المستقبل، من حيث أن كل وجود هو إمكانية تنتظر التحقيق، وسواء أفضت هذه الحركة إلى الإمكانية الأخيرة، وهي إمكانية الموت، أو إلى إمكانية أخرى من العالم اليومي فإن المستقبل المشروع يتولد منها. وحين يقول هيدجر إن كينونتنا هي مشروع كينونة فقط، فهذا يعني أن الإنسان هو الكائن الذي عليه دائما أن يوجد، كما يعني أيضا أنه دائما في موقع العمل على تحقيق إمكاناته وفي توتر مستمر نحو المستقبل. والزمان ينبثق كما في” الكينونة والزمان “في ثلاثة أشكال إضافة إلى الماضي هناك المستقبل والحاضر.
افتتح ذلك الفيلسوف الكبير رسالته في أولى محاضراته بجامعة فريبورج سنة 1929 بمناسبة تعيينه أستاذا بها خلفاً لهوسرل الذي كان يبلغ السبعين من عمره آنذاك, بهذا النداء المستمر : ما الميتافيزيقا؟
تضمنت هذه الرسالة تساؤلاً عن العدم، وشرحا دقيقا مختصرا لمفهوم القلق، وبيانا باهرا ذكيا لصلة العدم بالسلب، بالنفي، وانتصارا مبطَّنا للميتافيزيقا. يقول: “لا يعادل إحكام أي علم رصانة الميتافيزيقا.
فلسفة المؤلف فلسفة ميتافيزيقية بالدرجة الأولى دامجة وسطها الآراء السياسية ولكن بغموض شديد.
ورأيه أن السياسة لاتملك الحل, و لم يهدف أبدا إلى وضع خطوط عريضة فيها, إذ يقول: إن كل هذه الثرثرة حول السياسة هي أيضا سخف وهذر.
مهمة فلسفة هيدجر هي تصوير الواقع الإنساني وكشف خباياه ودلالاته.